فصل: تفسير الآية رقم (61)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏30‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ‏}‏ بِالْبَاءِ، بِمَعْنَى‏:‏ عِنْدَ ذَلِكَ تَخْتَبِرُ كُلُّ نَفْسٍ مَا قَدَّمَتْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ‏.‏

وَكَانَ مِمَّنْ يَقْرَؤُهُ وَيَتَأَوَّلُهُ كَذَلِكَ مُجَاهِدٌ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ‏}‏، قَالَ‏:‏ تُخْتَبَرُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَبَعْضِ أَهْلِ الْحِجَازِ‏:‏ ‏{‏تَتْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ‏}‏، بِالتَّاءِ‏.‏

وَاخْتَلَفَ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي تَأْوِيلِهِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ وَتَأْوِيلُهُ‏:‏ هُنَالِكَ تَتْبَعُ كُلُّ نَفْسِ مَا قَدَّمَتْ فِي الدُّنْيَا لِذَلِكَ الْيَوْمِ‏.‏

وَرُوِيَ بِنَحْوِ ذَلِكَ خَبَرٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ وَجْهٍ وَسَنَدٍ غَيْرِ مُرْتَضَى أَنَّهُ قَالَ‏:‏ «يُمَثَّلُ لِكُلِّ قَوْمٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَتَّبِعُونَهُمْ حَتَّى يُورِدُوهُمُ النَّارَ‏.‏ قَالَ‏:‏ ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏هُنَالِكَ تَتْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ‏}‏»‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ بَلْ مَعْنَاهُ‏:‏ يَتْلُو كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ‏.‏ يَعْنِي يَقْرَأُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا‏}‏، ‏[‏سُورَةَ الْإِسْرَاءِ‏:‏ 13‏]‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ “ تَتْلُو “ تُعَايِنُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍفِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏هُنَالِكَ تَتْلُو كُلُّ نَفْسِ مَا أَسْلَفَتْ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا عَمِلَتْ‏.‏ تَتْلُو‏:‏ تُعَايِنُهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَئِمَّةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَهُمَا مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ تَبِعَ فِي الْآخِرَةِ مَا أَسْلَفَ مِنَ الْعَمَلِ فِي الدُّنْيَا، هَجَمَ بِهِ عَلَى مَوْرِدِهِ، فَيُخْبِرُ هُنَالِكَ مَا أَسْلَفَ مِنْ صَالَحٍ أَوْ سَيِّئٍ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّ مِنْ خَبَرِ مِنْ أَسْلَفَ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَعْمَالِهِ فِي الْآخِرَةِ، فَإِنَّمَا يُخْبِرُ بَعْدَ مَصِيرِهِ إِلَى حَيْثُ أَحَلَّهُ مَا قَدِمَ فِي الدُّنْيَا مِنْ عِلْمِهِ، فَهُوَ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ مُتَّبِعٌ مَا أَسْلَفَ مِنْ عَمَلِهِ، مُخْتَبِرٌ لَهُ، فَبِأَيِّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ كَمَا وَصَفْنَا، فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ‏}‏، فَإِنَّهُ يَقُولُ‏:‏ وَرَجَعَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ إِلَى اللَّهِ الَّذِي هُوَ رَبُّهُمْ وَمَالِكُهُمْ، الْحَقُّ لَا شَكَّ فِيهِ، دُونَ مَا كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَهُمْ أَرْبَابٌ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ ‏{‏وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَبَطَلَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَتَخَرَّصُونَ مِنَ الْفِرْيَةِ وَالْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ بِدَعْوَاهُمْ أَوْثَانَهُمْ أَنَّهَا لِلَّهِ شُرَكَاءُ، وَأَنَّهَا تُقَرِّبُهُمْ مِنْهُ زُلْفَى، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍفِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا كَانُوا يَدَّعُونَ مَعَهُ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْآلِهَةِ، مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ الْآلِهَةُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ جَعَلُوهَا أَنْدَادًا وَآلِهَةً مَعَ اللَّهِ افْتِرَاءً وَكَذِبًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏قُلْ‏)‏، يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ ‏{‏مِنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ‏}‏، الْغَيْثَ وَالْقَطْرَ، وَيُطْلِعُ لَكُمْ شَمْسَهَا، وَيُغْطِشُ لَيْلَهَا، وَيُخْرِجُ ضُحَاهَا وَمِنَ الْأَرْضِ أَقْوَاتَكُمْ وَغِذَاءَكُمُ الَّذِي يُنْبِتُهُ لَكُمْ، وَثِمَارَ أَشْجَارِهَا ‏{‏أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَمْ مَنْ ذَا الَّذِي يَمْلِكُ أَسْمَاعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمُ الَّتِي تَسْمَعُونَ بِهَا‏:‏ أَنْ يَزِيدَ فِي قُوَاهَا، أَوْ يَسْلُبَكُمُوهَا، فَيَجْعَلَكُمْ صُمًّا، وَأَبْصَارَكُمُ الَّتِي تُبْصِرُونَ بِهَا‏:‏ أَنْ يُضِيئَهَا لَكُمْ وَيُنِيرَهَا، أَوْ يَذْهَبَ بِنُورِهَا، فَيَجْعَلُكُمْ عُمْيًا لَا تُبْصِرُونَ ‏{‏وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَمَنْ يَخْرُجُ الشَّيْءَ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ‏{‏وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَيُخْرِجُ الشَّيْءَ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ

وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، وَالصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى صِحَّتِهِ، فِي “ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ “، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

‏{‏وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ‏}‏، وَقُلْ لَهُمْ‏:‏ مِنْ يُدَبِّرُ أَمْرَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ، وَأَمْرَكُمْ وَأَمْرَ الْخَلْقِ‏؟‏ ‏{‏فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ‏}‏، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ فَسَوْفَ يُجِيبُونَكَ بِأَنْ يَقُولُوا‏:‏ الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ اللَّهُ ‏{‏فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَفَلَا تَخَافُونَ عِقَابَ اللَّهِ عَلَى شِرْكِكُمْ وَادِّعَائِكُمْ رَبًّا غَيْرَ مَنْ هَذِهِ الصِّفَةُ صِفَتُهُ، وَعِبَادَتَُكُمْ مَعَهُ مَنْ لَا يَرْزُقُكُمْ شَيْئًا، وَلَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًا وَلَا نَفْعًا، وَلَا يَفْعَلُ فِعْلًا‏؟‏

تفسير الآية رقم ‏[‏32‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِخَلْقِهِ‏:‏ أَيُّهَا النَّاسُ، فَهَذَا الَّذِي يَفْعَلُ هَذِهِ الْأَفْعَالَ، فَيَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَيَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ، وَيُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ، وَيُدَبِّرُ الْأَمْرَ؛ ‏{‏اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ‏}‏، لَا شَكَّ فِيهِ ‏{‏فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَأَيُّ شَيْءٍ سِوَى الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ، وَهُوَ الْجَوْرُ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ‏؟‏

يَقُولُ‏:‏ فَإِذَا كَانَ الْحَقُّ هُوَ ذَا، فَادِّعَاؤُكُمْ غَيْرَهُ إِلَهًا وَرَبًّا، هُوَ الضَّلَالُ وَالذَّهَابُ عَنِ الْحَقِّ لَا شَكَّ فِيهِ ‏{‏فَأَنَّى تُصْرَفُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَأَيَّ وَجْهٍ عَنِ الْهُدَى وَالْحَقِّ تُصَرِّفُونَ، وَسِوَاهُمَا تَسْلُكُونَ، وَأَنْتُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّ الَّذِي تُصْرَفُونَ عَنْهُ هُوَ الْحَقُّ‏؟‏

تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ كَمَا قَدْ صُرِفَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الضَّلَالِ ‏{‏كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَجَبَ عَلَيْهِمْ قَضَاؤُهُ وَحُكْمُهُ فِي السَّابِقِ مِنْ عَلِمَهُ ‏{‏عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا‏}‏، فَخَرَجُوا مِنْ طَاعَةِ رَبِّهِمْ إِلَى مَعْصِيَتِهِ وَكَفَرُوا بِهِ ‏{‏أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَا يُصَدِّقُونَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَلَا بِنُبُوَّةِ نَبِيهٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏34‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مِنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏قُلْ‏)‏، يَا مُحَمَّدُ ‏{‏هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ‏}‏، يَعْنِي مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ ‏{‏مِنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مِنْ يُنْشِئُ خَلْقَ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ، فَيُحْدِثُ خَلْقَهُ ابْتِدَاءً ‏{‏ثُمَّ يُعِيدُهُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ يُفْنِيهِ بَعْدَ إِنْشَائِهِ، ثُمَّ يُعِيدُهُ كَهَيْئَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُفْنِيَهُ، فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى دَعْوَى ذَلِكَ لَهَا‏.‏ وَفِي ذَلِكَ الْحُجَّةُ الْقَاطِعَةُ وَالدِّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى أَنَّهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّهَا أَرْبَابٌ، وَهِيَ لِلَّهِ فِي الْعِبَادَةِ شُرَكَاءُ، كَاذِبُونَ مُفْتَرُونَ‏.‏

فَقُلْ لَهُمْ حِينَئِذٍ، يَا مُحَمَّدُ‏:‏ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ فَيُنْشِئُهُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ، وَيُحَدِّثُهُ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ، ثُمَّ يُفْنِيهِ إِذَا شَاءَ، ثُمَّ يُعِيدُهُ إِذَا أَرَادَ كَهَيْئَتِهِ قَبْلَ الْفَنَاءِ ‏{‏فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَأَيَّ وَجْهٍ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ وَطَرِيقِ الرُّشْدِ تُصْرَفُونَ وُتُقْلَبُونَ‏؟‏ كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَنَّى تَصْرَفُونَ‏؟‏

وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَنَّى تُؤْفَكُونَ‏}‏، وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، بِشَوَاهِدِهِ فِي “ سُورَةِ الْأَنْعَامِ “‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏35‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّقُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏قُلْ‏)‏، يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ ‏{‏هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ‏}‏، الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَذَلِكَ آلِهَتُهُمْ وَأَوْثَانُهُمْ، ‏{‏مِنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مِنْ يُرْشِدُ ضَالًّا مِنْ ضَلَالَتِهِ إِلَى قَصْدِ السَّبِيلِ، وَيُسَدِّدُ جَائِرًا عَنِ الْهُدَى إِلَى وَاضِحِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ‏؟‏ فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَدَّعُوا أَنَّ آلِهَتَهُمْ وَأَوْثَانَهُمْ تُرْشِدُ ضَالًّا أَوْ تَهْدِي جَائِرًا‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِنِ ادَّعَوْا ذَلِكَ لَهَا أَكْذَبَتْهُمُ الْمُشَاهَدَةُ، وَأَبَانَ عَجْزَهَا عَنْ ذَلِكَ الِاخْتِبَارُ بِالْمُعَايَنَةِ‏.‏ فَإِذَا قَالُوا “ لَا “ وَأَقَرُّوا بِذَلِكَ، فَقُلْ لَهُمْ‏:‏ فَاللَّهُ يَهْدِي الضَّالَّ عَنِ الْهُدَى إِلَى الْحَقِّ ‏{‏أَفَمَنْ يَهْدِي‏}‏ أَيُّهَا الْقَوْمُ ضَالًّا إِلَى الْحَقِّ، وَجَائِرًا عَنِ الرُّشْدِ إِلَى الرُّشْدِ ‏{‏أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ‏}‏، إِلَى مَا يَدْعُو إِلَيْهِ ‏{‏أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى‏}‏‏؟‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ‏:‏ ‏{‏أَمَّنْ لَا يَهْدِّي‏}‏ بِتَسْكِينِ الْهَاءِ، وَتَشْدِيدِ الدَّالِّ، فَجَمَعُوا بَيْنَ سَاكِنِينَ وَكَأَنَّ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ وَجَّهُوا أَصْلَ الْكَلِمَةِ إِلَى أَنَّهُ‏:‏ أَمْ مَنْ لَا يَهْتَدِي، وَوَجَدُوهُ فِي خَطِّ الْمُصْحَفِ بِغَيْرِ مَا قَرَءُوا، وَأَنَّ التَّاءَ حُذِفَتْ لَمَّا أُدْغِمَتْ فِي الدَّالِ، فَأَقَرُّوا الْهَاءَ سَاكِنَةً عَلَى أَصْلِهَا الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ، وَشَدَّدُوا الدَّالَ طَلَبًا لِإِدْغَامِ التَّاءِ فِيهَا، فَاجْتَمَعَ بِذَلِكَ سُكُونُ الْهَاءِ وَالدَّالِ‏.‏ وَكَذَلِكَ فَعَلُوا فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ‏}‏، ‏[‏سُورَةَ النِّسَاءِ‏:‏ 154‏]‏، وَفِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏يَخْصِّمُونَ‏)‏، ‏[‏سُورَةَ يس‏:‏ 49‏]‏‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ مَكَّةَ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ “ ‏(‏يَهَدِّي‏)‏ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِّ‏.‏ وَأَمُّوا مَا أَمَّهُ الْمَدَنِيُّونَ مِنَ الْكَلِمَةِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ نَقَلُوا حَرَكَةَ التَّاءِ مِنْ “ يَهْتَدِي “‏:‏ إِلَى الْهَاءِ السَّاكِنَةِ، فَحَرَّكُوا بِحَرَكَتِهَا، وَأَدْغَمُوا التَّاءَ فِي الدَّالِ فَشَدَّدُوهَا‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ‏:‏ ‏(‏يَهِدِّي‏)‏، بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَكَسْرِ الْهَاءِ، وَتَشْدِيدِ الدَّالِ، بِنَحْوِ مَا قَصَدَهُ قُرَّاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ كَسَرَ الْهَاءَ لِكَسْرَةِ الدَّالِ مِنْ “ يَهْتَدِي “ اسْتِثْقَالًا لِلْفَتْحَةِ بَعْدَهَا كَسْرَةٌ فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْدُ، عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ ‏{‏أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي‏}‏، بِتَسْكِينِ الْهَاءِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ إِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ‏:‏ “ هَدَيْتُ “ بِمَعْنَى “ اهْتَدَيْتُ “ قَالُوا‏:‏ فَمَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي‏}‏‏:‏ أَمْ مَنْ لَا يَهْتَدِي إِلَّا أَنْ يُهْدَى‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي‏}‏ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ، لِمَا وَصَفْنَا مِنَ الْعِلَّةِ لِقَارِئِ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدْفَعُ صِحَّتَهُ ذُو عِلْمٍ بِكَلَامِ الْعَرَبِ، وَفِيهِمُ الْمُنْكِرُ غَيْرَهُ‏.‏ وَأَحَقُّ الْكَلَامِ أَنْ يُقْرَأَ بِأَفْصَحِ اللُّغَاتِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا كَلَامُ اللَّهِ‏.‏

فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إذًا‏:‏ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقَّ أَنْ يُتَّبَعَ، أَمْ مَنْ لَا يَهْتَدِي إِلَى شَيْءٍ إِلَّا أَنْ يُهْدَى‏؟‏

وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ يَزْعُمُ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أَمْ مَنْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ مَكَانِهِ إِلَّا أَنْ يُنْقَلَ‏.‏

وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى‏}‏، قَالَ‏:‏ الْأَوْثَانُ، اللَّهُ يَهْدِي مِنْهَا وَمِنْ غَيْرِهَا مَنْ شَاءَ لِمَنْ شَاءَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى‏}‏، قَالَ‏:‏ قَالَ‏:‏ الْوَثَنُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ‏}‏ أَلَا تَعْلَمُونَ أَنَّ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ مِنَ الَّذِي لَا يَهْتَدِي إِلَى شَيْءٍ، إِلَّا أَنْ يَهْدِيَهُ إِلَيْهِ هَادٍ غَيْرُهُ، فَتَتْرُكُوا اتِّبَاعَ مَنْ لَا يَهْتَدِي إِلَى شَيْءٍ وَعِبَادَتَهُ، وَتَتْبَعُوا مَنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَتُخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ فَتُفْرِدُوهُ بِهَا وَحْدَهُ، دُونَ مَا تُشْرِكُونَهُ فِيهَا مِنْ آلِهَتِكُمْ وَأَوْثَانِكُمْ‏؟‏

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمَا يَتْبَعُ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ إِلَّا ظَنًّا، يَقُولُ‏:‏ إِلَّا مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِحَقِيقَتِهِ وَصِحَّتِهِ، بَلْ هُمْ مِنْهُ فِي شَكٍّ وَرِيبَةٍ ‏{‏إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنَّ الشَّكَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْيَقِينِ شَيْئًا، وَلَا يَقُومُ فِي شَيْءٍ مَقَامَهُ، وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ حَيْثُ يُحْتَاجُ إِلَى الْيَقِينِ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ‏}‏، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ ذُو عِلْمٍ بِمَا يَفْعَلُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ، مِنَ اتِّبَاعِهِمُ الظَّنَّ، وَتَكْذِيبِهِمُ الْحَقَّ الْيَقِينَ، وَهُوَ لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ، حَيْثُ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ ظَنَّهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ مَا يَنْبَغِي لِهَذَا الْقُرْآنِ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ، يَقُولُ‏:‏ مَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَخَرَّصَهُ أَحَدٌ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ‏.‏ وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 161‏]‏، بِمَعْنَى‏:‏ مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَهُ أَصْحَابُهُ‏.‏

وَإِنَّمَا هَذَاخَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ، هَذَا الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِهِ أَنْزَلَهُ إِلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ، وَتَكْذِيبٌ مِنْهُ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا‏:‏ “ هُوَ شِعْرٌ وَكِهَانَةٌ “ وَالَّذِينَ قَالُوا‏:‏ “ إِنَّمَا يَتَعَلَّمُهُ مُحَمَّدٌ مِنْ يُحَنِّسَ الرُّومِيِّ “‏.‏

يَقُولُ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ مَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ لِيَخْتَلِقَهُ أَحَدٌ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ ‏{‏وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ‏}‏، أَيْ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَكِنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَنْزَلَهُ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، أَيْ لِمَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ، كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِ ‏{‏وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَتِبْيَانُ الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَفَرَائِضِهِ الَّتِي فَرَضَهَا عَلَيْهِمْ فِي السَّابِقِ مِنْ عِلْمِهِ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏لَا رَيْبَ فِيهِ‏}‏ لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ تَصْدِيقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَتَفْصِيلُ الْكِتَابِ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا افْتِرَاءٌ مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِ وَلَا اخْتِلَاقٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَمْ يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ‏:‏ افْتَرَى مُحَمَّدٌ هَذَا الْقُرْآنَ مِنْ نَفْسِهِ فَاخْتَلَقَهُ وَافْتَعَلَهُ‏؟‏ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لَهُمْ‏:‏ إِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُونَ إِنِّي اخْتَلَقْتُهُ وَافْتَرَيْتُهُ، فَإِنَّكُمْ مَثَلِي مِنَ الْعَرَبِ، وَلِسَانِي مِثْلُ لِسَانِكُمْ، وَكَلَامِي ‏[‏مِثْلُ كَلَامِكُمْ‏]‏، فَجَيِّئُوا بِسُورَةٍ مِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ‏.‏

وَ“ الْهَاءُ “ فِي قَوْلِهِ “ مِثْلِهِ “ كِنَايَةٌ عَنِ الْقُرْآنِ‏.‏

وَقَدْ كَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ قُلْ فَأْتُوْا بِسُورَةٍ مِثْلِ سُورَتِهِ ثُمَّ أُلْقِيَتْ“ سُورَةٌ “، وَأُضِيفَ “ الْمَثَلُ “ إِلَى مَا كَانَ مُضَافًا إِلَيْهِ “ السُّورَةِ “ كَمَا قِيلَ‏:‏ ‏{‏وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ يُوسُفَ‏:‏ 82‏]‏ يُرَادُ بِهِ‏:‏ وَاسْأَلْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ‏.‏

وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُنْكِرُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ، وَيَزْعُمُ أَنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ فَأَتَوْا بِقُرْآنٍ مِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، أَنَّ “ السُّورَةَ “ إِنَّمَا هِيَ سُورَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ، وَهِيَ قُرْآنٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جَمِيعَ الْقُرْآنِ‏.‏ فَقِيلَ لَهُمْ‏:‏ ‏{‏فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ‏}‏، وَلَمْ يَقِلْ‏:‏ “ مِثْلِهَا “ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ أُخْرِجَتْ عَلَى الْمَعْنَى أَعْنِي مَعْنَى “ السُّورَةِ “ لَا عَلَى لَفْظِهَا، لِأَنَّهَا لَوْ أُخْرِجَتْ عَلَى لَفْظِهَا لَقِيلَ‏:‏ “ فَأَتَوْا بِسُورَةٍ مِثْلِهَا “‏.‏

‏{‏وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَادْعُوا، أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهَا مَنْ قَدَّرْتُمْ أَنْ تَدْعُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَوْلِيَائِكُمْ وَشُرَكَائِكُمْ ‏{‏مِنْ دُونِ اللَّهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ، فَأَجْمِعُوا عَلَى ذَلِكَ وَاجْتَهِدُوا، فَإِنَّكُمْ لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ أَبَدًا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي أَنَّ مُحَمَّدًا افْتَرَاهُ، فَأَتَوْا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ مِنْ جَمِيعِ مِنْ يُعِينُكُمْ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا‏.‏ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ، فَلَا شَكَّ أَنَّكُمْ كَذَبَةٌ فِي زَعْمِكُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا افْتَرَاهُ، لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَنْ يَعْدُوَ أَنْ يَكُونَ بَشَرًا مَثَّلَكُمْ، فَإِذَا عَجَزَ الْجَمِيعُ مِنَ الْخَلْقِ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ، فَالْوَاحِدُ مِنْهُمْ عَنْ أَنْ يَأْتِيَ بِجَمِيعِهِ أَعْجَزُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏39‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ مَا بِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَا مُحَمَّدُ تَكْذِيبُكُ وَلَكِنْ بِهِمُ التَّكْذِيبُ بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ فِي هَذَا الْقُرْآنِ، مِنْ وَعِيدِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ ‏{‏وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ بَعْدُ بَيَانُ مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْوَعِيدُ الَّذِي تَوَعَّدَهُمُ اللَّهُ فِي هَذَا الْقُرْآنِ ‏{‏كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏}‏، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ كَمَا كَذَّبَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ، يَا مُحَمَّدُ بِوَعِيدِ اللَّهِ، كَذَلِكَ كَذَّبَ الْأُمَمُ الَّتِي خَلَتْ قَبْلَهُمْ بِوَعِيدِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُمْ وَكَفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ ‏{‏فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةَ الظَّالِمِينَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ فَانْظُرْ، يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ كَانَ عُقْبَى كُفْرِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، أَلَمْ نُهْلِكْ بَعْضَهُمْ بِالرَّجْفَةِ، وَبَعْضَهُمْ بِالْخَسْفِ وَبَعْضَهُمْ بِالْغَرَقِ‏؟‏ يَقُولُ‏:‏ فَإِنَّ عَاقِبَةَ هَؤُلَاءِ الَّذِي يُكَذِّبُونَكَ وَيَجْحَدُونَ بِآيَاتِي مِنْ كُفَّارِ قَوْمِكَ، كَالَّتِي كَانَتْ عَاقِبَةُ مِنْ قَبِلَهُمْ مِنْ كَفَرَةِ الْأُمَمِ، إِنْ لَمْ يُنِيبُوا مِنْ كُفْرِهِمْ، وَيُسَارِعُوا إِلَى التَّوْبَةِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمِنْ قَوْمِكَ، يَا مُحَمَّدُ، مِنْ قُرَيْشٍ، مَنْ سَوْفَ يُؤْمِنُ بِهِ يَقُولُ‏:‏ مَنْ سَوْفَ يُصَدِّقُ بِالْقُرْآنِ وَيُقِرُّ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ‏}‏ أَبَدًا، يَقُولُ‏:‏ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُصَدِّقُ بِهِ وَلَا يُقِرُّ أَبَدًا ‏{‏وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْمُكَذِّبِينَ بِهِ مِنْهُمُ، الَّذِينَ لَا يُصَدِّقُونَ بِهِ أَبَدًا، مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ وَرَاءِ عِقَابِهِ‏.‏ فَأَمَّا مَنْ كَتَبْتُ لَهُ أَنْ يُؤْمِنَ بِهِ مِنْهُمْ، فَإِنِّي سَأَتُوبُ عَلَيْهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَإِنَّ كَذِبَكَ، يَا مُحَمَّدُ، هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ، وَرَدُّوا عَلَيْكَ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ، فَقُلْ لَهُمْ‏:‏ أَيُّهَا الْقَوْمُ، لِي دِينِي وَعَمَلِي، وَلَكُمْ دِينُكُمْ وَعَمَلُكُمْ، لَا يَضُرُّنِي عَمَلُكُمْ، وَلَا يَضُرُّكُمْ عَمَلِي، وَإِنَّمَا يُجَازَى كُلُّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ ‏{‏أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ‏}‏، لَا تُؤَاخَذُونَ بِجَرِيرَتِهِ ‏{‏وَأَنَا بَرِئٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ‏}‏، لَا أُوخَذَ بِجَرِيرَةِ عَمَلِكُمْ‏.‏ وَهَذَا كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ الْكَافِرُونَ‏:‏ 3‏]‏‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، نَسَخَهَا الْجِهَادُ وَالْأَمْرُ بِالْقِتَالِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍفِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ‏}‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ أَمَرَهُ بِهَذَا، ثُمَّ نَسَخَهُ وَأَمَرَهُ بِجِهَادِهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَى قَوْلِكَ ‏{‏أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَفَأَنَّتْ تَخْلُقُ لَهُمُ السَّمْعَ، وَلَوْ كَانُوا لَا سَمْعَ لَهُمْ يَعْقِلُونَ بِهِ، أَمْ أَنَا‏؟‏

وَإِنَّمَا هَذَا إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ عِبَادَهُ أَنَّ التَّوْفِيقَ لِلْإِيمَانِ بِهِ بِيَدِهِ لَا إِلَى أَحَدٍ سِوَاهُ‏.‏ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ كَمَا أَنَّكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تُسْمِعَ، يَا مُحَمَّدُ، مِنْ سَلَبْتُهُ السَّمْعَ، فَكَذَلِكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تُفْهِمَ أَمْرِي وَنَهْيِي قَلْبًا سَلَبْتُهُ فَهْمَ ذَلِكَ، لِأَنِّي خَتَمْتُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏43‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، مُشْرِكِي قَوْمِكَ، مِنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ، يَا مُحَمَّدُ وَيَرَى أَعْلَامَكَ وَحُجَجَكَ عَلَى نُبُوَّتِكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ قَدْ سَلَبَهُ التَّوْفِيقَ فَلَا يَهْتَدِي، وَلَا تَقْدِرُ أَنْ تَهْدِيَهُ، كَمَا لَا تَقْدِرُ أَنْ تُحْدِثَ لِلْأَعْمَى بَصَرًا يَهْتَدِي بِهِ ‏{‏أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَفَأَنَّتْ يَا مُحَمَّدُ، تُحْدِثُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَإِلَى أَدِلَّتِكَ وَحُجَجِكَ، فَلَا يُوَفَّقُونَ لِلتَّصْدِيقِ بِكَ أَبْصَارًا، لَوْ كَانُوا عُمْيًا يَهْتَدُونَ بِهَا وَيُبْصِرُونَ‏؟‏ فَكَمَا أَنَّكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ وَلَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا غَيْرَكُ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ سِوَايَ، فَكَذَلِكَ لَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تُبَصِّرَهُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ أَنْتَ‏,‏ وَلَا أَحَدَ غَيْرِي، لِأَنَّ ذَلِكَ بِيَدَيَّ وَإِلَيَّ‏.‏

وَهَذَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَسْلِيَةٌ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ مِنْ قَوْمَهُ وَأَدْبَرَ عَنْهُ فَكَذَّبَ، وَتَعْزِيَةٌ لَهُ عَنْهُمْ، وَأَمْرٌ بِرَفْعِ طَمَعِهِ مِنْ إِنَابَتِهِمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏44‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ لَا يَفْعَلُ بِخَلْقِهِ مَا لَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْهُ، لَا يُعَاقِبُهُمْ إِلَّا بِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَلَا يُعَذِّبُهُمْ إِلَّا بِكُفْرِهِمْ بِهِ ‏{‏وَلَكِنَّ النَّاسَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَكِنَّ النَّاسَ هُمُ الَّذِينَ يَظْلِمُونَ أَنْفُسَهُمْ، بِاجْتِرَامِهِمْ مَا يُورِثُهَا غَضَبَ اللَّهِ وَسَخَطَهُ‏.‏

وَإِنَّمَا هَذَا إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ، أَنَّهُ لَمْ يَسْلُبْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ الْإِيمَانَ ابْتِدَاءً مِنْهُ بِغَيْرِ جُرْمٍ سَلَفَ مِنْهُمْ‏,‏ وَإِخْبَارٍ أَنَّهُ إِنَّمَا سَلَبَهُمْ ذَلِكَ بِاسْتِحْقَاقٍ مِنْهُمْ سَلْبَهُ لِذُنُوبٍ اكْتَسَبُوهَا، فَحَقَّ عَلَيْهِمْ قَوْلُ رَبِّهِمْ، وَطَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَيَوْمَ نَحْشُرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فَنَجْمَعُهُمْ فِي مَوْقِفِ الْحِسَابِ، كَأَنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ يَتَعَارَفُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، ثُمَّ انْقَطَعَتِ الْمَعْرِفَةُ، وَانْقَضَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ يَقُولُ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ‏}‏، قَدْ غُبِنَ الَّذِينَ جَحَدُوا ثَوَابَ اللَّهِ وَعِقَابَهُ وَحُظُوظَهُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَهَلَكُوا ‏{‏وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَمَا كَانُوا مُوَفَّقِينَ لِإِصَابَةِ الرُّشْدِ مِمَّا فَعَلُوا مِنْ تَكْذِيبِهِمْ بِلِقَاءِ اللَّهِ، لِأَنَّهُ أَكْسَبَهُمْ ذَلِكَ مَا لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَفَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ، يَا مُحَمَّدُ فِي حَيَاتِكَ بَعْضَ الَّذِي نَعُدُّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ مِنَ الْعَذَابِ ‏{‏أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ‏}‏ قَبْلَ أَنْ نُرِيَكَ ذَلِكَ فِيهِمْ ‏{‏فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَمَصِيرُهُمْ بِكُلِّ حَالٍ إِلَيْنَا، وَمُنْقَلَبُهُمْ ‏{‏ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ‏}‏، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ثُمَّ أَنَا شَاهِدٌ عَلَى أَفْعَالِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَفْعَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا عَالِمٌ بِهَا لَا يَخْفَى عَلَيَّ شَيْءٌ مِنْهَا، وَأَنَا مُجَازِيهِمْ بِهَا عِنْدَ مَصِيرِهِمْ إِلَيَّ وَمَرْجِعِهِمْ، جَزَاءَهُمُ الَّذِي يَسْتَحِقُّونَهُ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ‏}‏، مِنَ الْعَذَابِ فِي حَيَاتِكَ ‏{‏أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ‏}‏، قَبْلُ ‏{‏فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلِكُلِ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ خَلَتْ قَبْلَكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ، رَسُولٌ أَرْسَلْتُهُ إِلَيْهِمْ، كَمَا أَرْسَلْتُ مُحَمَّدًا إِلَيْكُمْ، يَدْعُونَ مَنْ أَرْسَلْتُهُمْ إِلَيْهِمْ إِلَى دِينِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ ‏{‏فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَلِكُلِ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ‏}‏، يَقُولُ قُضِيَ حِينَئِذٍ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ ‏{‏وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ‏}‏، مِنْ جَزَاءِ أَعْمَالِِِهِمْ شَيْئًا، وَلَكِنْ يُجَازِي الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ‏.‏ وَالْمُسِيءَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، إِمَّا أَنْ يُعَاقِبَهُ اللَّهُ، وَأَمَّا أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، وَالْكَافِرُ يَخْلُدُ فِي النَّارِ‏.‏ فَذَلِكَ قَضَاءُ اللَّهِ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ، وَذَلِكَ لَا شَكَّ عَدْلٌ لَا ظُلْمٌ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ‏}‏، قَالَ‏:‏ بِالْعَدْلِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَيَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمِكَ، يَا مُحَمَّدُ ‏{‏مَتَى هَذَا الْوَعْدُ‏}‏، الَّذِي تَعِدُنَا أَنَّهُ يَأْتِينَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏؟‏ وَذَلِكَ قِيَامُ السَّاعَةِ ‏{‏إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏، أَنْتَ وَمَنْ تَبِعَكَ، فِيمَا تَعِدُونَنَا بِهِ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لكُلِ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ “ قُلْ “ يَا مُحَمَّدُ لِمُسْتَعْجِلِيكَ وَعِيدَ اللَّهِ، الْقَائِلِينَ لَكَ‏:‏ مَتَى يَأْتِينَا الْوَعْدُ الَّذِي تَعِدُنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏؟‏ ‏{‏لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي‏}‏، أَيُّهَا الْقَوْمُ، أَيْ‏:‏ لَا أَقْدِرُ لَهَا عَلَى ضُرٍّ وَلَا نَفْعٍ فِي دُنْيَا وَلَا دِينٍ ‏{‏إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ‏}‏، أَنْ أَمْلِكَهُ، فَأَجْلِبَهُ إِلَيْهَا بِأِذْنِهِ‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قُلْ لَهُمْ‏:‏ فَإِذْ كُنْتُ لَا أَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَأَنَا عَنِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى عِلْمِ الْغَيْبِ وَمَعْرِفَةِ قِيَامِ السَّاعَةِ أَعْجَزُ وَأَعْجَزُ، إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ وَإِذْنِهِ لِي فِي ذَلِكَ ‏{‏لِكُلِ أُمَّةٍ أَجَلٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لِكُلِّ قَوْمٍ مِيقَاتٌ لِانْقِضَاءِ مُدَّتِهِمْ وَأَجَلِهِمْ، فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ انْقِضَاءِ أَجَلِهِمْ وَفِنَاءِ أَعْمَارِهِمْ

‏{‏لَا يَسْتَأْخِرُونَ‏}‏، عَنْهُ ‏(‏سَاعَةً‏)‏، فَيُمْهَلُونَ وَيُؤَخِّرُونَ، ‏{‏وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ‏}‏، قَبْلَ ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ قَضَى أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَبْلَ الْحِينِ الَّذِي قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏50‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًامَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ‏:‏ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَيَاتًا، يَقُولُ‏:‏ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا‏.‏

وَجَاءَتِ السَّاعَةُ وَقَامَتِ الْقِيَامَةُ، أَتَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ عَنْ أَنْفُسِكُمْ‏؟‏ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْ نُزُولِ الْعَذَابِ الْمُجْرِمُونَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ، وَهُمُ الصَّالُونَ بِحَرِّهِ دُونَ غَيْرِهِمْ، ثُمَّ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ‏؟‏

تفسير الآية رقم ‏[‏51‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَهُنَالِكَ إِذَا وَقَعَ عَذَابُ اللَّهِ بِكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ “ آمَنْتُمْ بِهِ “ يَقُولُ‏:‏ صَدَّقْتُمْ بِهِ فِي حَالِ لَا يَنْفَعُكُمْ فِيهَا التَّصْدِيقُ، وَقِيلَ لَكُمْ حِينَئِذٍ‏:‏ آلْآنَ تُصَدِّقُونَ بِهِ، وَقَدْ كُنْتُمْ قَبْلَ الْآنِ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ، وَأَنْتُمْ بِنُزُولِهِ مُكَذِّبُونَ‏؟‏ فَذُوقُوا الْآنَ مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ‏.‏

وَمَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏أَثُمَّ‏)‏، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏:‏ أَهُنَالِكَ، وَلَيْسَتْ “ ثُمَّ “ هَذِهِ هَا هُنَا الَّتِي تَأْتِي بِمَعْنَى الْعَطْفِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا‏}‏، أَنْفُسَهُمْ، بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ ‏{‏ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ‏}‏، تَجَرَّعُوا عَذَابَ اللَّهَ الدَّائِمَ لَكُمْ أَبَدًا، الَّذِي لَا فَنَاءَ لَهُ وَلَا زَوَالَ ‏{‏هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ يُقَالُ لَهُمْ‏:‏ فَانْظُرُوا هَلْ تَجْزُونَ، أَيْ‏:‏ هَلْ تُثَابُونَ ‏{‏إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي حَيَاتِكُمْ قَبْلَ مَمَاتِكُمْ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَيَسْتَخْبِرُكَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمِكَ، يَا مُحَمَّدُ،

فَيَقُولُونَ لَكَ‏:‏ أَحَقٌّ مَا تَقُولُ، وَمَا تَعُدُّنَا بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ جَزَاءً عَلَى مَا كُنَّا نَكْسِبُ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ فِي الدُّنْيَا‏؟‏ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ‏:‏ “ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحِقٌ “، لَا شَكَّ فِيهِ، وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِي اللَّهَ إِذَا أَرَادَ ذَلِكَ بِكُمْ، بِهَرَبٍ، أَوِ امْتِنَاعٍ، بَلْ أَنْتُمْ فِي قَبْضَتِهِ وَسُلْطَانِهِ وَمَلِكِهِ، إِذْ أَرَادَ فِعْلَ ذَلِكَ بِكُمْ، فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي أَنْفُسِكُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏54‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ أَنَّ لِكُلِ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ كَفَرَتْ بِاللَّهِ وَ“ ظُلْمُهَا “ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عِبَادَتُهَا غَيْرَ مِنْ يَسْتَحِقُّ عِبَادَتَهُ، وَتَرْكُهَا طَاعَةَ مِنْ يُجِبْ عَلَيْهَا طَاعَتُهُ ‏{‏مَا فِي الْأَرْضِ‏}‏، مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ ‏{‏لَافْتَدَتْ بِهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَافْتَدَتْ بِذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِذَا عَايَنَتْهُ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَأَخْفَتْ رُؤَسَاءُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ وَضَعَائِهِمْ وَسَفَلَتِهِمُ النَّدَامَةَ حِينَ أَبْصَرُوا عَذَابَ اللَّهِ قَدْ أَحَاطَ بِهِمْ، وَأَيْقَنُوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ ‏{‏وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَقَضَى اللَّهُ يَوْمَئِذٍ بَيْنَ الْأَتْبَاعِ وَالرُّؤَسَاءُ مِنْهُمْ بِالْعَدْلِ ‏{‏وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ‏}‏، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعَاقِبُ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا بِجَرِيرَتِهِ، وَلَا يَأْخُذُهُ بِذَنْبِ أَحَدٍ، وَلَا يُعَذِّبُ إِلَّا مِنْ قَدْ أَعْذَرَ إِلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَأَنْذَرَ وَتَابَعَ عَلَيْهِ الْحُجَجَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏55‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَلَّا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَّا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ جَلَّ ذِكْرُهُ‏:‏ أَلَّا إِنَّ كُلَّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَكُلَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ، لِلَّهِ مُلْكُهُ، لَا شَيْءَ فِيهِ لِأَحَدٍ سِوَاهُ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ فَلَيْسَ لِهَذَا الْكَافِرِ بِاللَّهِ يَوْمَئِذٍ شَيْءٌ يَمْلِكُهُ فَيَفْتَدِي بِهِ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِ، وَإِنَّمَا الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا لِلَّذِي إِلَيْهِ عِقَابُهُ‏.‏ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ الْأَشْيَاءُ الَّتِي هِيَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ افْتَدَى بِهَا، لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ بَدَلًا مِنْ عَذَابِهِ، فَيَصْرِفُ بِهَا عَنْهُ الْعَذَابُ، فَكَيْفَ وَهُوَ لَا شَيْءَ لَهُ يُفْتَدَى بِهِ مِنْهُ، وَقَدْ حَقَّ عَلَيْهِ عَذَابُ اللَّهِ‏؟‏ يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ‏}‏ يَعْنِي أَنَّ عَذَابَهُ الَّذِي أَوْعَدَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى كُفْرِهِمْ حَقٌّ، فَلَا عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَسْتَعْجِلُوا بِهِ، فَإِنَّهُ بِهِمْ وَاقِعٌ لَا شَكَّ ‏{‏وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَا يَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ وُقُوعِ ذَلِكَ بِهِمْ، فَهُمْ مِنْ أَجْلِ جَهْلِهِمْ بِهِ مُكَذِّبُونَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏56‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنِ اللَّهَ هُوَ الْمُحْيِي الْمُمِيتُ، لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا أَرَادَ فِعْلَهُ مِنْ إِحْيَاءِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ إِذَا أَرَادَ إِحْيَاءَهُمْ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ، وَلَا إِمَاتَتَهُمْ إِذَا أَرَادَ ذَلِكَ، وَهُمْ إِلَيْهِ يَصِيرُونَ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ، فَيُعَايِنُونَ مَا كَانُوا بِهِ مُكَذِّبِينَ مِنْ وَعِيدِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏57‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِخَلْقِهِ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ ذِكْرَى تَذَكِّرُكُمْ عِقَابَ اللَّهِ وَتَخَوُّفَكُمْ وَعِيدَهُ ‏{‏مِنْ رَبِّكُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مِنْ عِنْدِ رَبِّكُمْ، لَمْ يَخْتَلِقْهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَفْتَعِلْهَا أَحَدٌ، فَتَقُولُوا‏:‏ لَا نَأْمَنُ أَنْ تَكُونَ لَا صِحَّةَ لَهَا‏.‏ وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْقُرْآنَ، وَهُوَ الْمَوْعِظَةُ مِنَ اللَّهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَدَوَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ مِنَ الْجَهْلِ، يَشْفِي بِهِ اللَّهُ جَهْلَ الْجُهَّالِ، فَيُبَرِّئُ بِهِ دَاءَهُمْ، وَيَهْدِي بِهِ مِنْ خَلْقِهِ مَنْ أَرَادَ هِدَايَتَهُ بِهِ ‏(‏وَهُدَى‏)‏، يَقُولُ‏:‏ وَهُوَ بَيَانٌ لِحَلَالِ اللَّهِ وَحَرَامِهِ، وَدَلِيلٌ عَلَى طَاعَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ ‏(‏وَرَحْمَةٌ‏)‏ يَرْحَمُ بِهَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلَقَهُ، فَيُنْقِذُهُ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى، وَيُنْجِيهِ بِهِ مِنَ الْهَلَاكِ وَالرَّدَى‏.‏ وَجَعَلَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ دُونَ الْكَافِرِينَ بِهِ، لِأَنَّ مَنْ كَفَرَ بِهِ فَهُوَ عَلَيْهِ عَمًى، وَفِي الْآخِرَةِ جَزَاؤُهُ عَلَى الْكُفْرِ بِهِ الْخُلُودُ فِي لَظًى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏قُلْ‏)‏ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِكَ وَبِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ ‏{‏بِفَضْلِ اللَّهِ‏}‏، أَيُّهَا النَّاسُ، الَّذِي تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْكُمْ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، فَبَيَّنَهُ لَكُمْ، وَدَعَاكُمْ إِلَيْهِ ‏{‏وَبِرَحْمَتِهِ‏}‏، الَّتِي رَحِمَكُمْ بِهَا، فَأَنْزَلَهَا إِلَيْكُمْ، فَعَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تُعَلِّمُونَ مِنْ كِتَابِهِ، وَبَصَّرَكُمْ بِهَا فِي مَعَالِمِ دِينِكُمْ، وَذَلِكَ الْقُرْآنُ ‏{‏فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، وَالْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِمْ، خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا وَأَمْوَالِهَا وَكُنُوزِهَا‏.‏

وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْأَزْدِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْحَجَّاجِ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا‏}‏، قَالَ‏:‏ بِفَضْلِ اللَّهِ الْقُرْآنُ ‏{‏وَبِرَحْمَتِهِ‏}‏ أَنْ جَعَلَكُمْ مِنْ أَهْلِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ‏:‏ ‏{‏قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا‏}‏، قَالَ‏:‏ بِالْإِسْلَامِ الَّذِي هَدَاكُمْ، وَبِالْقُرْآنِ الَّذِي عَلَّمَكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ‏:‏ ‏{‏قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ بِالْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ ‏{‏فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‏}‏، مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ “ فَضْلُ اللَّهِ “، الْإِسْلَامُ، وَ“ رَحْمَتُهُ “ الْقُرْآنُ‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا زَيْدٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْإِسْلَامُ وَالْقُرْآنُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ وَقَبِيصَةُ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلَالٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا‏}‏، أَمَّا فَضْلُهُ فَالْإِسْلَامُ، وَأَمَّا رَحْمَتُهُ فَالْقُرْآنُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدِ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ فَضْلُهُ‏:‏ الْإِسْلَامُ، وَرَحْمَتُهُ الْقُرْآنُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْقُرْآنُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَبِرَحْمَتِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْقُرْآنُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْأَمْوَالُ وَغَيْرُهَا‏.‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَضْلُهُ‏:‏ الْإِسْلَامُ، وَرَحْمَتُهُ‏:‏ الْقُرْآنُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلَالٍ‏:‏ ‏{‏قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا‏}‏، قَالَ‏:‏ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَبِالْإِسْلَامِ ‏{‏هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‏}‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلِ “ الْفَضْلُ “‏:‏ الْقُرْآنُ وَ“ الرَّحْمَةُ “ الْإِسْلَامُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ ‏{‏بِفَضْلِ اللَّهِ‏}‏، الْقُرْآنُ، ‏{‏وَبِرَحْمَتِهِ‏}‏، حِينَ جَعَلَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ‏:‏ “ فَضْلُ اللَّهِ “ الْقُرْآنُ، وَ“ رَحْمَتُهُ “ الْإِسْلَامُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا هُشَيْمٌ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ ‏{‏بِفَضْلِ اللَّهِ‏}‏ الْقُرْآنُ، ‏{‏وَبِرَحْمَتِهِ‏}‏، الْإِسْلَامُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍفِيقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ أَبِي يَقُولُ‏:‏ فَضْلُهُ الْقُرْآنُ، وَرَحْمَتُهُ الْإِسْلَامُ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا‏}‏‏.‏

فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ‏:‏ ‏{‏فَلْيَفْرَحُوا‏}‏ بِالْيَاءِ ‏{‏هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‏}‏ بِالْيَاءِ أَيْضًا عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلْنَاهُ، مِنْ أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ فَبِالْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، فَلْيَفْرَحْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ، لَا بِالْمَالِ الَّذِي يَجْمَعُونَ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ وَالْقُرْآنَ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ الَّذِي يَجْمَعُونَ، وَكَذَلِكَ‏:‏-

حُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ هَارُونَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ‏:‏ ‏{‏فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‏}‏، يَعْنِي الْكُفَّارَ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي ذَلِكَ مَا‏:‏-

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ عَنِ أَسْلَمَ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ‏:‏ ‏{‏فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا هُوَ خُيْرٌ مِمَّا تَجْمَعُونَ‏}‏، بِالتَّاءِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا هُشَيْمٌ عَنِ الْأَجْلَحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مِثْلَ ذَلِكَ‏.‏

وَكَذَلِكَ كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ‏:‏ غَيْرَ أَنَّهُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ كَانَ يَقْرَأُ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‏}‏، بِالْيَاءِ؛ الْأَوَّلُ عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ، وَالثَّانِي عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ‏.‏

وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الْقَارِئُ، فِيمَا ذَكَرَ عَنْهُ، يَقْرَأُ ذَلِكَ نَحْوَ قِرَاءَةِ أُبَيٍّ بِالتَّاءِ جَمِيعًا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ مِنْ قِرَاءَةِ الْحَرْفَيْنِ جَمِيعًا بِالْيَاءِ‏:‏ ‏{‏فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‏}‏ لِمَعْنَيَيْنِ‏:‏

أَحَدُهُمَا‏:‏ إِجْمَاعُ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ صِحَّتُهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَكَادُ تَأْمُرُ الْمُخَاطَبَ بِاللَّامِ وَالتَّاءِ، وَإِنَّمَا تَأْمُرُهُ فَتَقُولُ‏:‏ “ افْعَلْ وَلَا تَفْعَلْ “‏.‏

وَبَعْدُ؛ فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ إِلَّا وَهُوَ يَسْتَرْدِئُ أَمْرَ الْمُخَاطَبِ بِاللَّامِ، وَيَرَى أَنَّهَا لُغَةٌ مَرْغُوبٌ عَنْهَا، غَيْرَ الْفِرَاءِ فَإِنَّهُ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّامَ فِي الْأَمْرِ ‏[‏هِيَ الْبِنَاءُ الَّذِي خُلِقَ لَهُ‏]‏ وَاجَهْتَ بِهِ أَمْ لَمْ تُوَاجِهْ، إِلَّا أَنَّ الْعَرَبَ حَذَفَتِ اللَّامَ مِنْ فِعْلِ الْمَأْمُورِ الْمُوَاجَهِ، لِكَثْرَةِ الْأَمْرِ خَاصَّةً فِي كَلَامِهِمْ، كَمَا حَذَفُوا التَّاءَ مِنَ الْفِعْلِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْجَازِمَ وَالنَّاصِبَ لَا يَقَعَانِ إِلَّا عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي أَوَّلُهُ الْيَاءُ وَالتَّاءُ وَالنُّونُ وَالْأَلِفُ، فَلَمَّا حُذِفَتِ التَّاءُ ذَهَبَتِ اللَّامُ، وَأُحْدِثَتِ الْأَلْفُ فِي قَوْلِكَ‏:‏ “ اضْرِبْ “ وَ“ افْرَحْ “ لِأَنَّ الْفَاءَ سَاكِنَةٌ، فَلَمْ يَسْتَقِمْ أَنْ يَسْتَأْنِفَ بِحَرْفٍ سَاكِنٍ، فَأَدْخَلُوا أَلِفًا خَفِيفَةً يَقَعُ بِهَا الِابْتِدَاءُ، كَمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏ادَّارَكُوا‏}‏، ‏[‏سُورَةَ الْأَعْرَافِ‏:‏ 38‏]‏

و ‏{‏اثَّاقَلْتُمْ‏}‏، ‏[‏سُورَةَ التَّوْبَةِ‏:‏ 38‏]‏‏.‏

وَهَذَا الَّذِي اعْتَلَّ بِهِ الْفِرَاءُ عَلَيْهِ لَا لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ إِنْ كَانَتْ قَدْ حَذَفَتِ اللَّامَ فِي الْمُوَاجَهِ وَتَرَكَتْهَا، فَلَيْسَ لِغَيْرِهَا إِذَا نَطَقَ بِكَلَامِهَا أَنْ يُدْخِلَ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهُ مَا دَامَ مُتَكَلِّمًا بِلُغَتِهَا‏.‏ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ، كَانَ خَارِجًا عَنْ لُغَتِهَا، وَكِتَابُ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ بِلِسَانِهَا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْلُوَهُ إِلَّا بِالْأَفْصَحِ مِنْ كَلَامِهَا، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بَعْضُ ذَلِكَ مِنْ لُغَةِ بَعْضِهَا، فَكَيْفَ بِمَا لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ مِنْ لُغَةِ حَيٍّ وَلَا قَبِيلَةٍ مِنْهَا‏؟‏ وَإِنَّمَا هُوَ دَعْوَى لَا تُثْبَتُ بِهَا ‏[‏حُجَّةٌ‏]‏ وَلَا صِحَّةٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏59‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏قُلْ‏)‏ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ‏:‏ ‏(‏أَرَأَيْتُمْ‏)‏ أَيُّهَا النَّاسُ ‏{‏مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مَا خَلَقَ اللَّهُ لَكُمْ مِنَ الرِّزْقِ فَخَوَّلَكُمُوهُ، وَذَلِكَ مَا تَتَغَذَّوْنَ بِهِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ ‏{‏فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَحَلَلْتُمْ بَعْضَ ذَلِكَ لِأَنْفُسِكُمْ، وَحَرُمْتُمْ بَعْضَهُ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ كَتَحْرِيمِهِمْ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَهُ مِنْ حُرُوثِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْعَلُونَهَا لِأَوْثَانِهِمْ، كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا‏}‏ ‏[‏سُورَةَ الْأَنْعَامِ‏:‏ 136‏]‏‏.‏

وَمِنَ الْأَنْعَامِ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَهُ بِالتَّبْحِيرِ وَالتَّسْيِيبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا‏.‏

يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قُلْ‏]‏ يَا مُحَمَّدُ ‏{‏آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ‏}‏ بِأَنْ تُحَرِّمُوا مَا حَرَّمْتُمْ مِنْهُ ‏{‏أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ‏}‏‏:‏ أَيْ تَقُولُونَ الْبَاطِلَ وَتَكْذِبُونَ‏؟‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ إِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَحْرِمُونَ أَشْيَاءَ أَحَلَّهَا اللَّهُ مِنَ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا‏}‏ وَهُوَ هَذَا‏.‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ مِنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ‏}‏ الْآيَةَ ‏[‏سُورَةَ الْأَعْرَافِ‏:‏ 32‏]‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُمْ أَهْلُ الشِّرْكِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا‏}‏، قَالَ‏:‏ الْحَرْثُ وَالْأَنْعَامُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ مُجَاهِدٌ‏:‏ الْبَحَائِرُ وَالسُّيَّبُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا‏}‏ الْآيَةَ، يَقُولُ‏:‏ كُلُّ رِزْقٍ لَمْ أُحَرِّمْ حَرَّمْتُمُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ، آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ فِيمَا حَرَمْتُمْ مِنْ ذَلِكَ، أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ‏؟‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍفِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا‏}‏، فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ‏:‏ ‏{‏أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ‏}‏، وَقَرَأَ‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا‏}‏ ‏[‏سُورَةَ الْأَنْعَامِ‏:‏ 139‏]‏، وَقَرَأَ‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ‏}‏ حَتَّى بَلَغَ‏:‏ ‏{‏لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا‏}‏ ‏[‏سُورَةَ الْأَنْعَامِ‏:‏ 138‏]‏ فَقَالَ‏:‏ هَذَا قَوْلُهُ‏:‏ جَعَلَ لَهُمْ رِزْقًا، فَجَعَلُوا مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا وَحَرَّمُوا بَعْضَهُ وَأَحَلُّوا بَعْضَهُ‏.‏ وَقَرَأَ‏:‏ ‏{‏ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ‏}‏ أَيْ هَذَيْنَ حَرَّمَ عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ وَأَحَلَّ لِهَؤُلَاءِ ‏{‏نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا‏}‏، إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ، ‏[‏سُورَةَ الْأَنْعَامِ‏:‏ 144‏]‏‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا‏}‏، هُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ‏}‏، ‏[‏سُورَةَ الْأَنْعَامِ‏:‏ 136‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏60‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا ظَنُ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِإِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمَا ظَنُّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَخَرَّصُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ فَيُضِيفُونَ إِلَيْهِ تَحْرِيمَ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَرْزَاقِ وَالْأَقْوَاتِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُمْ غِذَاءً، أَنَّ اللَّهَ فَاعِلٌ بِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِكَذِبِهِمْ وَفِرْيَتِهِمْ عَلَيْهِ‏؟‏ أَيَحْسَبُونَ أَنَّهُ يَصْفَحُ عَنْهُمْ وَيَغْفِرُ‏؟‏ كَلَّا بَلْ يُصْلِيهِمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ لَذُو تَفَضُّلٍ عَلَى خَلْقِهِ بِتَرْكِهِ مُعَاجَلَةَ مَنِ افْتَرَى عَلَيْهِ الْكَذِبَ بِالْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا، وَإِمْهَالِهِ إِيَّاهُ إِلَى وُرُودِهِ عَلَيْهِ فِي الْقِيَامَةِ ‏{‏وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَهُ عَلَى تَفَضُّلِهِ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، وَبِغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ نِعَمِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏61‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍوَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏وَمَا تَكُونُ‏}‏، يَا مُحَمَّدُ ‏{‏فِي شَأْنٍ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ فِي عَمَلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ ‏{‏وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَمَا تَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مِنْ قُرْآنٍ

‏{‏وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ أَيُّهَا النَّاسُ، مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ ‏{‏إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِلَّا وَنَحْنُ شُهُودٌ لِأَعْمَالِكُمْ وَشُئُونِكِمْ، إِذْ تَعْمَلُونَهَا وَتَأْخُذُونَ فِيهَا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ رُوِيَ الْقَوْلُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِذْ تَفْعَلُونَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ إِذْ تُشِيعُونَ فِي الْقُرْآنِ الْكَذِبَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي رَوْقٍ عَنِ الضَّحَّاكِ‏:‏ ‏{‏إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ تُشِيعُونَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْكَذِبِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ إِذْ تُفِيضُونَ فِي الْحَقِّ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ‏}‏ فِي الْحَقِّ مَا كَانَ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ عِبَادُهُ عَمَلًا إِلَّا كَانَ شَاهِدَهُ، ثُمَّ وَصَلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ‏}‏، فَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ‏}‏ إِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ مِنْهُ عَنْ وَقْتِ عَمَلِ الْعَامِلِينَ أَنَّهُ لَهُ شَاهَدَ لَا عَنْ وَقْتِ تِلَاوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ خَبَرًا عَنْ شُهُودِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَقْتَ إِفَاضَةِ الْقَوْمِ فِي الْقُرْآنِ، لَكَانَتِ الْقِرَاءَةُ بِالْيَاءِ‏:‏ “ إِذْ يُفِيضُونَ فِيهِ “ خَبَرًا مِنْهُ عَنِ الْمُكَذِّبِينَ فِيهِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ لَيْسَ ذَلِكَ خَبَرًا عَنِ الْمُكَذِّبِينَ، وَلَكِنَّهُ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ شَاهَدَهُ إِذْ تَلَا الْقُرْآنَ‏.‏

فَإِنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ التَّنْزِيلُ‏:‏ ‏{‏إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ‏}‏، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدٌ لَا جَمْعٌ، كَمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ‏}‏، فَأَفْرَدَهُ بِالْخِطَابِ وَلَكِنَّ ذَلِكَ فِي ابْتِدَائِهِ خِطَابَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِفْرَادِ، ثُمَّ عَوْدَهُ إِلَى إِخْرَاجِ الْخِطَابِ عَلَى الْجَمْعِ نَظِيرَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ‏}‏، ‏[‏سُورَةَ الطَّلَاقِ‏:‏ 1‏]‏، وَذَلِكَ أَنْ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ‏}‏، دَلِيلًا وَاضِحًا عَلَى صَرْفِهِ الْخِطَابَ إِلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ جَمَاعَةِ النَّاسِ غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ ابْتَدَأَ خِطَابَهُ، ثُمَّ صَرَفَ الْخِطَابَ إِلَى جَمَاعَةِ النَّاسِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ‏.‏

وَخَبَرٌ عَنْ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ أَحَدٌ مِنْ عِبَادِهِ عَمَلًا إِلَّا وَهُوَ لَهُ شَاهِدٌ، يُحْصَى عَلَيْهِ وَيُعْلَمُهُ كَمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ‏}‏، يَا مُحَمَّدُ، عَمَلُ خَلْقِهِ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْهِ عِلْمُ شَيْءٍ حَيْثُ كَانَ مِنْ أَرْضٍ أَوْ سَمَاءٍ‏.‏

وَأَصْلُهُ مِنْ “ عُزُوبِ الرَّجُلِ عَنْ أَهْلِهِ فِي مَاشِيَتِهِ “ وَذَلِكَ غَيْبَتُهُ عَنْهُمْ فِيهَا، يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ “ عَزَبَ الرَّجُلُ عَنْ أَهْلِهِ يَعْزُبُ وَيَعْزِبُ “‏.‏

لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ، قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ‏.‏ وَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، لِاتِّفَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا وَاسْتِفَاضَتِهِمَا فِي مَنْطِقِ الْعَرَبِ، غَيْرَ أَنِّي أَمِيلُ إِلَى الضَّمِّ فِيهِ، لِأَنَّهُ أَغْلَبُ عَلَى الْمَشْهُورِينَ مِنَ الْقُرَّاءِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ مِنْ زِنَةِ نَمْلَةٍ صَغِيرَةٍ‏.‏

يُحْكَى عَنِ الْعَرَبِ‏:‏ “ خُذْ هَذَا فَإِنَّهُ أَخَفَّ مِثْقَالًا مِنْ ذَاكَ، أَيْ‏:‏ أَخَفُّ وَزْنًا‏.‏

وَ“ الذَّرَّةُ “ وَاحِدَةُ‏:‏ “ الذَّرِّ “ وَ“ الذَّرُّ “ صِغَارُ النَّمْلِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَذَلِكَ خَبَرٌ عَنْ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ جَلَّ جَلَالُهُ أَصْغَرُ الْأَشْيَاءِ، وَإِنَّ خَفَّ فِي الْوَزْنِ كُلَّ الْخِفَّةِ، وَمَقَادِيرُ ذَلِكَ وَمَبْلَغُهُ، وَلَا أَكْبَرُهَا وَإِنَّ عَظُمَ وَثَقُلَ وَزْنُهُ، وَكَمْ مَبْلَغٌ ذَلِكَ‏,‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِخَلْقِهِ‏:‏ فَلْيَكُنْ عَمَلُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ فِيمَا يُرْضِي رَبَّكُمْ عَنْكُمْ، فَإِنَّا شُهُودٌ لِأَعْمَالِكُمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْنَا شَيْءٌ مِنْهَا، وَنَحْنُ مُحْصُوهَا وَمُجَازُوكُمْ بِهَا‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ‏}‏‏.‏

فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ الْقُرَّاءِ بِفَتْحِ الرَّاءِ مِنْ ‏(‏أَصْغَرَ‏)‏ وَ‏(‏أَكْبَرَ‏)‏ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهَا الْخَفْضِ، عَطْفًا بِالْأَصْغَرِ عَلَى الذَّرَّةِ، وَبِالْأَكْبَرِ عَلَى الْأَصْغَرِ، ثُمَّ فُتِحَتْ رَاؤُهُمَا، لِأَنَّهُمَا لَا يُجَرَّانِ‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ‏:‏ ‏[‏وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ‏]‏ رَفْعًا، عَطْفًا بِذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْمِثْقَالِ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ الرَّفْعُ‏.‏ وَذَلِكَ أَنْ ‏(‏مِنْ‏)‏ لَوْ أُلْقِيَتْ مِنَ الْكَلَامِ، لَرُفِعَ الْمِثْقَالُ، وَكَانَ الْكَلَامُ حِينَئِذٍ‏:‏ “ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ وَلَا أَكْبَرُ “ وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ‏}‏، وَ ‏{‏غَيْرِ اللَّهِ‏}‏، ‏[‏سُورَةَ فَاطِرٍ‏:‏ 3‏]‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِالْفَتْحِ، عَلَى وَجْهِ الْخَفْضِ وَالرَّدِّ عَلَى الذَّرَّةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ قِرَاءَةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، وَعَلَيْهِ عَوَامُّ الْقُرَّاءِ، وَهُوَ أَصَحُّ فِي الْعَرَبِيَّةِ مَخْرَجًا، وَإِنْ كَانَ لِلْأُخْرَى وَجْهٌ مَعْرُوفٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِلَّا فِي كِتَابٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَمَا ذَاكَ كُلُّهُ إِلَّا فِي كِتَابٍ عِنْدَ اللَّهِ ‏(‏مُبِينٍ‏)‏ عَنْ حَقِيقَةِ خَبَرِ اللَّهِ لِمَنْ نَظَرَ فِيهِ‏.‏ أَنَّهُ لَا شَيْءَ كَانَ أَوْ يَكُونُ إِلَّا وَقَدْ أَحْصَاهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَا يَعْزُبُ عَنِ اللَّهِ عِلْمُ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا يَعْزُبُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَا يَغِيبُ عَنْهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِمَارَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا يَغِيبُ عَنْهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏62‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَلَا إِنَّ أَنْصَارَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فِي الْآخِرَةِ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ، لِأَنَّ اللَّهَ رَضِيَ عَنْهُمْ فَآمَنَهُمْ مِنْ عِقَابِهِ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا‏.‏

وَ“ الْأَوْلِيَاءُ “ جَمْعُ “ وَلِيٍّ “ وَهُوَ النَّصِيرُ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ هَذَا الِاسْمَ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُمْ قَوْمٌ يُذْكَرُ اللَّهَ لِرُؤْيَتِهِمْ، لِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ سِيمَا الْخَيْرِ وَالْإِخْبَاتِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ الَّذِينَ يُذْكَرُ اللَّهُ لِرُؤْيَتِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو هِشَامٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي الضُّحَى مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهَ لِرُؤْيَتِهِمْ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي الضُّحَى قَالَ‏:‏ سَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحُ، إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ لِرُؤْيَتِهِمْ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ سَهْلٍ أَبِي الْأَسَدِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ “ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ “ فَقَالَ‏:‏ الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ لِرُؤْيَتِهِمْ

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الرَّازِيُّ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ هُمُ الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا فُرَاتٌ عَنْ أَبِي سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَال‏:‏ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ “ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ “ قَالَ‏:‏ هُمُ الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ»‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا الْعَوَّامُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ إِنَّ وَلِيَّ اللَّهُ إِذَا رُئِيَ ذُكِرَ اللَّهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عِمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ الضَّبِّيِّ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ عِبَادًا يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ‏!‏ قِيلَ‏:‏ مِنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏؟‏ فَلَعَلَّنَا نُحِبُّهُمْ‏!‏ قَالَ‏:‏ هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا فِي اللَّهِ مِنْ غَيْرِ أَمْوَالٍ وَلَا أَنْسَابٍ، وُجُوهُهُمْ مِنْ نُورٍ، عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسَ، وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ‏.‏ وَقَرَأَ‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عِمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللَّهِ‏!‏ قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبَرْنَا مِنْ هُمْ وَمَا أَعْمَالُهُمْ‏؟‏ فَإِنَّا نَحْبُهُمْ لِذَلِكَ‏!‏ قَالَ‏:‏ هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا فِي اللَّهِ بِرَوْحِ اللَّهِ، عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، فَوَا اللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ، وَإِنَّهُمْ لِعُلَى نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ‏.‏ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏»‏.‏

حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ الْخَوْلَانِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحُمَيْدِ بْنُ بَهْرَامٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنَمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «“ يَأْتِي مِنْ أَفْنَاءِ النَّاسِ وَنَوَازِعِ الْقَبَائِلِ، قَوْمٌ لَمْ تَصُلْ بَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ مُتَقَارِبَةٌ، تَحَابُّوا فِي اللَّهِ، وَتَصَافَوْا فِي اللَّهِ، يَضَعُ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، فَيُجْلِسُهُمْ عَلَيْهَا، يَفْزَعُ النَّاسُ فَلَا يَفْزَعُونَ، وَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ لَا خَوْفَ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ‏:‏ “ الْوَلِيُّ “ أَعْنِي “ وَلِيَّ اللَّهِ “ هُوَ مِنْ كَانَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِهَا، وَهُوَ الَّذِي آمَنَ وَاتَّقَى، كَمَا قَالَ اللَّهُ ‏{‏الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ‏}‏‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍفِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏، مِنْ هُمْ يَا رَبِّ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَبَى أَنْ يَتَقَبَّلَ الْإِيمَانُ إِلَّا بِالتَّقْوَى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏63‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَكَانُوا يَتَّقُونَ اللَّهَ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ مِنْ نَعْتُ “ الْأَوْلِيَاءِ “، وَمَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَإِذْ كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ مَا ذَكَرْتَ عِنْدَكَ، أَفِي مَوْضِعِ رَفْعِ ‏{‏الَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ أَمْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ‏.‏ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ نَعْتِ “ الْأَوْلِيَاءِ “، لِمَجِيئِهِ بَعْدَ خَبَرِ “ الْأَوْلِيَاءِ “ وَالْعَرَبُ كَذَلِكَ تَفْعَلُ خَاصَّةً فِي “ إِنَّ “ إِذَا جَاءَ نَعْتُ الِاسْمِ الَّذِي عَمِلَتْ فِيهِ بَعْدَ تَمَامِ خَبَرِهِ رَفَعُوهُ فَقَالُوا‏:‏ “ إِنَّ أَخَاكَ قَائِمٌ الظَّرِيفُ “ كَمَا قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ‏}‏، ‏[‏سُورَةَ سَبَأٍ‏:‏ 48‏]‏، وَكَمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ‏}‏، ‏[‏سُورَةَ ص‏:‏ 64‏]‏‏.‏

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْعِلَّةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، مَعَ أَنَّ إِجْمَاعَ جَمِيعِهِمْ عَلَى أَنَّ مَا قُلْنَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ‏.‏ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَوَاضِعِ الْإِبَانَةِ عَنِ الْعِلَلِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ الْبُشْرَى مِنَ اللَّهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي “ الْبُشْرَى “ الَّتِي بَشِّرِ اللَّهُ بِهَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ مَا هِيَ‏؟‏ وَمَا صِفَتُهَا‏؟‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هِيَ الرُّؤْيَةُ الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ، وَفِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُدَيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ شَيْخٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ‏}‏ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ أَوْ تُرَى لَه»‏.‏

حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ سَأَلَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ‏}‏، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «لِقَدٍّ سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ أَوْ قَالَ‏:‏ غَيْرُكَ‏.‏ قَالَ‏:‏ هِيَ الرُّؤْيَةُ الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ، أَوْ تُرَى لَهُ»‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ‏}‏، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ هِيَ الرُّؤْيَةُ الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عُبَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَأَبُو عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ قَالَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ‏:‏ نُبِّئَتْ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ‏}‏، فَقَالَ‏:‏ «سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ‏!‏ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ أَوْ تُرَى لَهُ»‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مَنَّ أَهْلِ مِصْرَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ‏:‏ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ‏}‏، قَالَ‏:‏ سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا الدَّرْدَاءِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ‏:‏ لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَمِعْتُ أَحَدًا سَأَلَ عَنْهُ بَعْدَ رَجُلٍ سَأَلَ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ‏:‏ « هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ، بُشْرَاهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَبُشْرَاهُ فِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ»‏.‏

حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السُّكُونِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ‏}‏ “ فَقَالَ‏:‏ مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُكُ، إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا‏!‏ سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ أَنْزَلَهَا اللَّهُ غَيْرُكُ إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا، هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحُمَيْدِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ يُخْبِرُ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ‏:‏ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا الدَّرْدَاءِ عَنْ‏:‏ “ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ‏}‏ “، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو السُّكُونِيِّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو حُمَيْدٍ الْحِمْصِيُّ أَحْمَدُ بْنُ الْمُغِيرَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْأَحْمُوسِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ‏:‏ أَتَى رَجُلٌ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ فَقَالَ‏:‏ آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَسْأَلُكَ عَنْهَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ “ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ‏}‏ “‏؟‏ فَقَالَ عُبَادَةُ‏:‏ مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ‏!‏ سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ‏:‏ «مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ، الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فِي الْمَنَامِ أَوْ تُرَى لَهُ»‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنِ ابْنِ سَيْرَيْنَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ، هِيَ الْبُشْرَى، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَه»‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ‏:‏ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَهِيَ الْمُبَشِّرَاتُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمُؤَدِّبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ “ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا “ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ وَهِيَ فِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا رشدين بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي السَّمْحِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يُبَشَّرُ بِهَا الْعَبْدُ جُزْءٌ مِنْ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ «عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ “ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ “، فَقَدْ عَرَفْنَا بُشْرَى الْآخِرَةِ، فَمَا بُشْرَى الدُّنْيَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْعَبْدُ أَوْ تَرَى لَهُ، وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا أَوْ سِتِّينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّة»‏.‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ “ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا “ فَقَالَ‏:‏ لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي قَبْلَكَ‏!‏ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تَرَى لَهُ، وَفِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَمَّادٍ الدُّولَابِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سِبَاعِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْأُمِّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةِ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ وَبَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ»‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا “، قَالَ‏:‏ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ، وَفِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ كَانَ بِمِصْرَ، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ “ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ “، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ‏:‏ مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏!‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ، هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ، وَفِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ»‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ “ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ “ قَالَ‏:‏ مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُكَ، هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ “ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ، هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْعَبْدُ أَوْ تُرَى لَهُ، وَفِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ‏:‏ ثُمَّ سَمِعْتُهُ مِنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ “ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا “ قَالَ‏:‏ مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ‏:‏ مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ أَوْ تُرَى لَهُ»‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ‏:‏ أَنَّهُ سَأَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ فَقِيهًا، قَدَمَ عَلَيْهِمْ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْمَوَاسِمِ، قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ أَلَّا تُخْبِرُنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ عَنْهَا أَبَا الدَّرْدَاءِ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ سَأَلَ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ » هِيَ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ يَرَاهَا الْعَبْدُ أَوْ تُرَى لَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُبَارَكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ‏:‏ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏ قَالَ‏:‏ «“ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْعَبْدُ أَوْ تَرَى لَه»‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا أَبَانُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ‏}‏، فَقَالَ‏:‏ لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ أَوْ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي قَالَ‏:‏ “ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمِ ابْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ وَسُئِلَ عَنْ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ مُنْذُ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا، فَقَالَ‏:‏ » مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ، هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْعَبْدُ أَوْ تُرَى لَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏، قَالَ‏:‏ » هِيَ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ يَرَاهَا الْإِنْسَانُ أَوْ تُرَى لَهُ‏.‏

وَقَالَ‏:‏ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَوِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا فَقَالَ‏:‏ « هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ »‏.‏

وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ هِيَ الرُّؤْيَا يَرَاهَا الرَّجُلُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ‏:‏ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدِةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏، قَالَ‏:‏ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدِةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ طَلْحَةَ الْقنَادِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏، قَالَ‏:‏ هِيَ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ يَرَاهَا الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِبَعْضِ إِخْوَانِهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ كَانُوا يَقُولُونَ‏:‏ الرُّؤْيَا مِنَ الْمُبَشِّرَاتِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ‏:‏ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا، فَقَالَ‏:‏ “ مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي مُنْذُ أُنْزِلَتْ عَلِيَّ قَبْلَكَ‏!‏ قَالَ‏:‏ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ أَوْ تُرَى لَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا هُشَيْمٌ عَنِ الْعَوَّامِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ، وَبَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ‏!‏ قِيلَ‏:‏ وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ أَوْ تُرَى لَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏، فَهُوَ قَوْلُهُ لِنَبِيِّهِ‏:‏ ‏{‏وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا‏}‏، ‏[‏سُورَةَ الْأَحْزَابِ‏:‏ 47‏]‏‏.‏ قَالَ‏:‏ هِيَ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ أَوْ تُرَى لَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَطَاءٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ رُؤْيَا الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ يُبَشَّرُ بِهَا فِي حَيَاتِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ دَرَّاجًا أَبَا السَّمْحِ حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏‏:‏ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يُبَشَّرُ بِهَا الْمُؤْمِنُ، جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ أَوْ تُرَى لَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ‏}‏، فَقَالَ عُبَادَةُ‏:‏ لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ أَمْرٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ، وَلَقَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا سَأَلْتَنِي فَقَالَ لِي‏:‏ يَا عُبَادَةُ لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ أَمْرٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي‏!‏ تِلْكَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ لِنَفْسِهِ أَوْ تُرَى لَهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هِيَ بِشَارَةٌ يُبَشَّرُ بِهَا الْمُؤْمِنُ فِي الدُّنْيَا عِنْدَ الْمَوْتِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزَّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏، قَالَ‏:‏ هِيَ الْبِشَارَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَعْلَى عَنْ أَبِي بِسِطَامٍ عَنِ الضَّحَّاكِ‏:‏ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏ قَالَ‏:‏ يَعْلَمُ أَيْنَ هُوَ قَبْلَ الْمَوْتِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّ لِأَوْلِيَائِهِ الْمُتَّقِينَ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَمِنَ الْبِشَارَةِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ‏,‏ وَمِنْهَا بُشْرَى الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهُ عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسِهِ بِرَحْمَةِ اللَّهِ، كَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «أَنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّتِي تَحْضُرُهُ عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسِهِ، تَقُولُ لِنَفْسِهِ‏:‏ اخْرُجِي إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِه»‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ بُشْرَى اللَّهِ إِيَّاهُ مَا وَعَدَهُ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ‏}‏ الْآيَةَ ‏[‏سُورَةَ الْبَقَرَةِ‏:‏ 25‏]‏‏.‏

وَكُلُّ هَذِهِ الْمَعَانِي مِنْ بُشْرَى اللَّهِ إِيَّاهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بَشَّرَهُ بِهَا، وَلَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى دُونَ مَعْنًى، فَذَلِكَ مِمَّا عَمَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ أَنْ ‏{‏لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏ وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَالْجَنَّةُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ‏}‏ فَإِنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ أَنَّ اللَّهَ لَا خُلْفَ لِوَعْدِهِ، وَلَا تَغْيِيرَ لِقَوْلِهِ عَمَّا قَالَ‏:‏ وَلَكِنَّهُ يُمْضِي لِخَلْقِهِ مَوَاعِيدَهُ وَيُنْجِزُهَا لَهُمْ، وَقَدْ‏:‏-

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ‏:‏ أَطَالَ الْحَجَّاجُ الْخُطْبَةَ، فَوَضَعَ ابْنُ عُمَرَ رَأْسَهُ فِي حِجْرِي، فَقَالَ الْحَجَّاجُ‏:‏ إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ بَدَّلَ كِتَابَ اللَّهِ‏!‏ فَقَعَدَ ابْنُ عُمَرَ فَقَالَ‏:‏ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْتَ ذَاكَ وَلَا ابْنُ الزُّبَيْرِ‏!‏ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ‏!‏ فَقَالَ الْحَجَّاجُ‏:‏ لَقَدْ أُوتِيتُ عَلَمًا إِنَّ نَفْعَكَ‏!‏ قَالَ أَيُّوبُ‏:‏ فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ سَكَتَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ هَذِهِ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ “ وَهِيَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ “ يَعْنِي الظَّفَرَ بِالْحَاجَةِ وَالطَّلْبَةَ وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏65‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَا يَحْزُنُكَ، يَا مُحَمَّدُ قَوْلُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي رَبِّهِمْ مَا يَقُولُونَ، وَإِشْرَاكُهُمْ مَعَهُ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَإِنَّاللَّهَ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِعِزَّةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَا شَرِيكَ لَهُ فِيهَا، وَهُوَ الْمُنْتَقِمُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْقَائِلِينَ فِيهِ مِنَ الْقَوْلِ الْبَاطِلِ مَا يَقُولُونَ، فَلَا يَنْصُرُهُمْ عِنْدَ انْتِقَامِهِ مِنْهُمْ أَحَدٌ، لِأَنَّهُ لَا يُعَازُّهُ شَيْءٌ ‏{‏هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَهُوَ ذُو السَّمْعِ لِمَا يَقُولُونَ مِنَ الْفِرْيَةِ وَالْكَذِبِ عَلَيْهِ، وَذُو عِلْمٍ بِمَا يُضْمِرُونَهُ فِي أَنْفُسِهِمْ وَيُعْلِنُونَهُ، مُحْصٍ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ كُلَّهُ، وَهُوَ لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ‏.‏

وَكُسِرَتْ “ إِنَّ “ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا‏}‏ لِأَنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ مُبْتَدَأٌ، وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهَا “ الْقَوْلُ “ لِأَنَّ “ الْقَوْلَ “، عُنِيَ بِهِ قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ، وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا‏}‏، لَمْ يَكُنْ مِنْ قِيلِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا هُوَ خَبَرٌ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏66‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَلَّا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَإِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَلَا إِنَّ لِلَّهِ يَا مُحَمَّدُ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، مَلِكًا وَعَبِيدًا لَا مَالِكَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ سِوَاهُ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ فَكَيْفَ يَكُونُ إِلَهًا مَعْبُودًا مَنْ يَعْبُدُهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، وَهِيَ لِلَّهِ مَلِكٌ، وَإِنَّمَا الْعِبَادَةُ لِلْمَالِكِ دُونَ الْمَمْلُوكِ، وَلِلرَّبِّ دُونَ الْمَرْبُوبِ‏؟‏ ‏{‏وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ‏}‏، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَأَيُ شَيْءٍ يَتْبَعُ مَنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ يَعْنِي‏:‏ غَيْرَ اللَّهِ وَسِوَاهُ شُرَكَاءٌ‏.‏ وَمَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ أَيُ شَيْءٍ يَتْبَعُ مَنْ يَقُولُ لِلَّهِ شُرَكَاءٌ فِي سُلْطَانِهِ وَمُلْكِهِ كَاذِبًا، وَاللَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِمُلْكِ كُلِّ شَيْءٍ فِي سَمَاءٍ كَانَ أَوْ أَرْضِ‏؟‏ ‏{‏إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مَا يَتَّبِعُونَ فِي قَيْلِهِمْ ذَلِكَ وَدَعْوَاهُمْ إِلَّا الظَّنَّ، يَقُولُ‏:‏ إِلَّا الشَّكَّ لَا الْيَقِينُ ‏{‏وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَتَقَوَّلُونَ الْبَاطِلَ تَظَنِّيًا وَتَخَرُّصًا لِلْإِفْكِ، عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ مِنْهُمْ بِمَا يَقُولُونَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏67‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لِآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ رَبَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ الَّذِي اسْتَوْجَبَ عَلَيْكُمُ الْعِبَادَةَ، هُوَ الرَّبُّ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَفَصَلَهُ مِنَ النَّهَارِ، لِتَسْكُنُوا فِيهِ مِمَّا كُنْتُمْ فِيهِ فِي نَهَارِكُمْ مِنَ التَّعَبِ وَالنَّصْبِ، وَتَهْدَءُوا فِيهِ مِنَ التَّصَرُّفِ وَالْحَرَكَةِ لِلْمَعَاشِ وَالْعَنَاءِ الَّذِي كُنْتُمْ فِيهِ بِالنَّهَارِ ‏{‏وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَجَعَلَ النَّهَارَ مُبْصِرًا، فَأَضَافَ “ الْإِبْصَارَ “ إِلَى “ النَّهَارِ “ وَإِنَّمَا يُبْصَرُ فِيهِ، وَلَيْسَ “ النَّهَارُ “ مِمَّا يُبْصِرُ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَفْهُومًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَعْنَاهُ، خَاطَبَهُمْ بِمَا فِي لُغَتِهِمْ وَكَلَامِهِمْ،

وَذَلِكَ كَمَا قَالَ جَرِيرٌ‏:‏

لَقَدْ لُمْتِنَا يَا أُمَّ غَيْلَانَ فِي السُّرَى *** وَنِمْتِ، وَمَا لَيْلُ الْمَطِيِّ بِنَائِمِ

فَأَضَافَ “ النَّوْمَ “ إِلَى “ اللَّيْلِ “ وَوَصَفَهُ بِهِ، وَمَعْنَاهُ نَفْسُهُ، أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَائِمًا فِيهِ هُوَ وَلَا بَعِيرُهُ‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَهَذَا الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ هُوَ رَبُّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ، لَا مَا لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنْ فِي اخْتِلَافِ حَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَحَالِ أَهْلِهِمَا فِيهِمَا، دَلَّالَةً وَحُجَجًا عَلَى أَنَّ الَّذِي لَهُ الْعِبَادَةُ خَالِصًا بِغَيْرٍ شَرِيكٍ، هُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَخَالَفَ بَيْنَهُمَا، بِأَنَّ جَعَلَ هَذَا لِلْخَلْقِ سَكَنًا، وَهَذَا لَهُمْ مَعَاشًا، دُونَ مَنْ لَا يَخْلُقُ وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا، وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ‏.‏

وَقَالَ‏:‏ ‏{‏لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ‏}‏، لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ‏:‏ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ هَذِهِ الْحُجَجَ وَيَتَفَكَّرُونَ فِيهَا، فَيَعْتَبِرُونَ بِهَا وَيَتَّعِظُونَ‏.‏ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ‏:‏ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ بِآذَانِهِمْ، ثُمَّ يُعْرِضُونَ عَنْ عِبَرِهِ وَعِظَاتِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ، يَا مُحَمَّدُ‏:‏ ‏{‏اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا‏}‏ وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ‏:‏ “ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ “‏.‏ يَقُولُ اللَّهُ مُنَزِّهًا نَفْسَهُ عَمَّا قَالُوا وَافْتَرَوْا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ‏:‏ “ سُبْحَانَ اللَّهُ “ تَنْزِيهًا لِلَّهِ عَمَّا قَالُوا وَادَّعَوْا عَلَى رَبِّهِمْ “ هُوَ الْغَنِيُّ “ يَقُولُ‏:‏ اللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ خَلْقِهِ جَمِيعًا، فَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى وَلَدٍ، لِأَنَّ الْوَلَدَ إِنَّمَا يَطْلُبُهُ مَنْ يَطْلُبُهُ، لِيَكُونَ عَوْنًا لَهُ فِي حَيَاتِهِ وَذِكْرًا لَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَاللَّهُ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ غَنِيٌّ، فَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى مُعَيَّنٍ يُعِينُهُ عَلَى تَدْبِيرِهِ، وَلَا يَبِيدُ فَيَكُونُ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى خَلْفٍ بَعْدِهِ ‏{‏لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِلْكًا، وَالْمَلَائِكَةُ عِبَادُهُ وَمِلْكُهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ عَبْدُ الرَّجُلِ وَمَلَكُهُ لَهُ وَلَدًا‏؟‏ يَقُولُ‏:‏ أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَيُّهَا الْقَوْمُ خَطَأً مَا تَقُولُونَ‏؟‏ ‏{‏إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مَا عِنْدَكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ، بِمَا تَقُولُونَ وَتَدَّعُونَ مِنْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، مِنْ حُجَّةٍ تَحْتَجُّونَ بِهَا وَهِيَ السُّلْطَانُ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ قَوْلًا لَا تَعْلَمُونَ حَقِيقَتَهُ وَصِحَّتَهُ، وَتُضِيفُونَ إِلَيْهِ مَا لَا يَجُوزُ إِضَافَتَهُ إِلَيْهِ، جَهْلًا مِنْكُمْ بِمَا تَقُولُونَ، بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَلَا بُرْهَانٍ‏؟‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏69- 70‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏قُلْ‏)‏ يَا مُحَمَّدُ، لَهُمْ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ‏}‏، فَيَقُولُونَ عَلَيْهِ الْبَاطِلَ، وَيَدَّعُونَ لَهُ وَلَدًا ‏{‏لَا يُفْلِحُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَا يَبْقَوْنَ فِي الدُّنْيَا

، وَلَكِنَّ لَهُمْ مَتَاعًا فِي الدُّنْيَا يُمَتِّعُونَ بِهِ، وَبِلَاغٍ يَتَبَلَّغُونَ بِهِ إِلَى الْأَجَلِ الَّذِي كُتِبَ فَنَاؤُهُمْ فِيهِ ‏{‏ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ إِذَا انْقَضَى أَجَلُهُمُ الَّذِي كُتِبَ لَهُمْ، إِلَيْنَا مَصِيرُهُمْ وَمُنْقَلَبُهُمْ

‏{‏ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ‏}‏، وَذَلِكَ إِصْلَاؤُهُمْ جَهَنَّمَ ‏{‏بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ‏}‏ بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا، فَيَكْذِبُونَ رُسُلَهُ، وَيَجْحَدُونَ آيَاتِهِ‏.‏

وَرُفِعَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏مَتَاعٌ‏)‏ بِمُضْمَرٍ قَبْلَهُ إِمَّا “ ذَلِكَ “، وَإِمَّا “ هَذَا “‏.‏